يتابع وزير الداخلية العميد محمد فهمي من مكتبه، وعلى الأرض، مجريات التعبئة العامة ونسبة تقيّد الناس بها، وكذلك يواكب بعض الالتباسات التي ترافقها ويتدخّل شخصياً لمعالجتها، اذا اقتضت الضرورة.
تولّي فهمي مسؤوليات وزارة الداخلية فرض عليه أن يتواجد على «الخطوط الأمامية» في المعركة ضد الكورونا، خصوصاً أنّ الأجهزة الامنية التي تتبع للوزارة، هي من الجهات الأساسية المعنية بفرض التعبئة العامة، والتأكّد من تقيّد المواطنين بها، الأمر الذي وضع وزير الداخلية على تماس مباشر مع الناس، ولاسيما أولئك الذين يخرقون الحَجر المنزلي، تارةً لأسباب مقنعة وطوراً لدوافع غير مبرّرة.
ويحاول فهمي التوفيق بين مقتضيات التشدّد في تطبيق قرار التعبئة العامة، الذي جرى تمديد مفاعليه امس، وبين الظروف الاقتصادية الصعبة، التي قد تدفع بعض المواطنين احياناً الى التجول بحثاً عن القوت اليومي.
وحتى عندما أكّد فهمي خلال مؤتمره الصحافي الاخير عزم القوى الأمنية على قمع أي مخالفات او تجاوزات لحالة التعبئة، فإنما أطلق هذا الموقف على قاعدة مكره أخاك لا بطل. إذ انّه مقتنع من جهة بضرورة الحزم الميداني ومنع الناس من التحرّك العشوائي لمنع انتشار الوباء، ولكنه متفهّم من جهة اخرى لأوضاع المواطنين الأشد فقراً، وحاجتهم الملحّة الى الاستمرار في العمل إذا وجدوه، آملاً في أن تساهم المساعدات، التي تستعد الحكومة لتوزيعها على هؤلاء، في ان تخفّف من وطأة ضائقتهم الاقتصادية، وبالتالي ان تعينهم على الصمود في منازلهم، الى حين تراجع الخطر المتأتي من كورونا.
ولم يكتف فهمي بالتقارير التي تصله حول مقدار الإلتزام الشعبي بالحَجر المنزلي وبعدم خرقه الّا عند الضرورة القصوى، بل هو بادر قبل ايام إلى تنفيذ «دورية شخصية» في شارع الحمرا لمعاينة الوضع ميدانياً عن قُرب.
وتجنّب فهمي استخدام الموكب الرسمي في «الكبسة» التي نفذها، بل استقلّ سيارة تويوتا صغيرة، وإلى جانبه السائق فقط، من دون أي مواكبة أمنية من المرافقين.
ووضع فهمي كمامة على وجهه، ساعدته في التنكّر خلال سيره مشياً على الأقدام في منطقة الحمرا، ثم جال على عدد من السوبرماركت والمحال التجارية و»استجوب» بعض العاملين فيها، للتثبت من تقيّدها بشروط التعبئة العامة وقواعد السلامة في عملها.
ويوضح فهمي، انّه جرى حتى الآن تسطير عدد كبير من محاضر الضبط في حق مخالفين لقرار التعبئة العامة، نافياً ان يكون قد حصل تراخٍ في تطبيق القرار خلال الأيام الماضية، ومشيراً، انّه تبين انّ عدداً كبيراً من المتجولين بسياراتهم لا يخالفون التدابير المُعلنة لجهة وجود شخص أو إثنين الى جانب السائق، كما أنّ سبب تحرّك جزء واسع منهم مرتبط بحاجتهم إلى التبضع لتأمين احتياجاتهم، «علماً انّ القلق من الاحتمالات المستقبلية يدفع البعض الى التموين الكثيف الذي يفوق حدود الحاجة الواقعية».
ومع قرار مجلس الوزراء تمديد فترة التعبئة العامة حتى منتصف 12 نيسان المقبل، لتفادي تفلت فيروس الكورونا من السيطرة، يؤكّد فهمي انّه سيجري قريباً توزيع مساعدات وحصص تموينية على العائلات الأشد فقراً، كاشفاً انّ هناك تنسيقاً بينه وبين وزيرة الدفاع وقائد الجيش على هذا الصعيد، «لأنّ لدى الجيش مخازن واسعة وقدرة لوجستية كبيرة، الأمر الذي يسمح له بالمساهمة في تنفيذ هذه المهمة بأفضل طريقة».
الى ذلك، عُلم انّ وزير الداخلية تعاطف مع قصة سائق سيارة الأجرة سليم خدوج، الذي أحرق سيارته عقب تسطير عناصر من قوى الأمن الداخلي محضر ضبط في حقه قبل ايام.
وبعد اطلاعه على تفاصيل المعاناة الاقتصادية والمعيشية للسائق، أبدى فهمي أمام مقرّبين منه تأثره الشديد وحزنه على فقدان خدوج مورد رزقه الوحيد بعد احتراق سيارته، فيما فتحت قوى الامن الداخلي تحقيقاً في ملابسات الحادثة.
َويكشف القريبون من فهمي، انّه أمضى يومه منزعجاً بعد اطلاعه على حيثيات الواقعة، وهو يعتبر انّ السائق قد يكون ارتكب خطأ بسبب انفعاله الشديد عند ضبط مخالفته وتعامله بشيء من الحدّة مع رجال قوى الأمن، «الّا انّ ذلك لا ينفي انني تعاطفت كثيراً معه بعد معرفتي بأحواله المزرية نتيجة الفقر».
وعلمت «الجمهورية»، انّ وزير الداخلية سيستقبل عند العاشرة صباح اليوم الجمعة في مكتبه السائق خدوج للتخفيف عنه وتطييب خاطره، كما سيمنحه تعويضاً مالياً، مع الإشارة، انّ فهمي كان قد استفسر من رئاسة الحكومة عن إمكان تأمين مساعدة مالية له، إضافة الى انّه حاول الاستحصال على مساهمة مالية لخدوج من بلدية بيروت، الّا انّ المحاولة لم تنجح بعدما اعترضتها عقبات قانونية.
ويبدو انّ فهمي قرّر عدم انتظار الآليات الرسمية، فبادر على عجل الى تأمين مبلغ مالي لتعويض خدوج شيئاً من خسارته، وذلك عبر اقتطاع دفعة من راتبه، ستضاف اليها مساهمة من بعض المحيطين به وأفراد عائلته.